الاثنين، 27 يناير 2025

سوق الكِتاب، اقتصاد قائم الذات حين يكون أولويةً لدى الأفراد و في استراتيجيات المؤسسات

الكتاب، مدخل من مداخل التنمية والقراءة أحد مفاتيحها المهمة

للكتاب عبر التاريخ أهمية بالغة في تقدم المجتمعات من الناحية؛ الاجتماعية، الثقافية، السياسية، الاقتصادية...، وهو بمثابة جسر تواصل بين الأجيال والحضارات وحافظ أسرارها وله دور أساسي ومحوري في الحفاظ على ذاكرة الشعوب والمجتمعات. إلا أنه بدون وعي هاته الأخيرة بأهمية القراءة والكتاب الذي يعد وسيلة تواصلية/تثقيفية بالدرجة الأولى بين الأفراد على اختلاف مستوياتهم وتوجهاتهم من الصعوبة بمكان أن نتحدث عن مجتمع معرفة تنبع وتسود فيه الأفكار الخلاقة والمبدعة.

ولعل صناعة الكتاب وما يعززه من إنتاجات علمية، فكرية وأدبية وتسويق ومبيعات وأرباح، لَمُؤشّر دال على وجود سياسات واستراتيجات واضحة تخص الكتاب (بجميع مراحله من الإنتاج وصولا إلى القارئ إلى التداول...) ويدخل ضمن دورة التنمية بجميع مستتوياتها وأبعادها لأي مجتمع يريد تحقيق الريادة والتقدم على جميع الأصعدة.

إن المتتبع للمجتمعات التي قطعت أشواطا مهمة في التنمية سيلاحظ أن الكتاب كان دوما حجر الزاوية لتقدمها، خاصة أنه يعد سوق اقتصادية قائم بذاته ولذلك جعلته وتجعله ضمن أولويات سياساتها واستراتيجياتها التنموية.

ومما لا شك فيه أن الحضارات القديمة والجديدة مبنية بدرجة كبيرة على اقتصاد المعرفة حيث الانتقال من مجتمع مستهلك للمعرفة إلى منتج لها يعدّ أمرا ذا أهمية قصوى وهو ما يمكن أن يساهم في تنمية المجتمع.

إن أهمية صناعة الكتاب وتداوله وتسويقه وتجارته تكمن في مساهمتها على "إحداث التغيير في مختلف مجالات الحياة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية... للمجتمع، ومنه تحقيق التنمية البشرية.

إن ما تقاسمته هنا على موضوع الكتاب مردّه أولا إلى كوني كنت ضمن فريق البحث من الطلبة الذين اشتغلوا على "جغرافية الكتاب ودوره في التنمية البشرية بمراكش".

وبالمناسبة ف "جغرافية الكتاب"، موضوع جغرافي تناول بالدراسة والتحليل من خلال أربعة عشر تيمة بحثية بتأطير من الأستاذ المصطفى عيشان سنة 2011، كل ما يتعلق بالكتاب بمراكش، بدءا من الإنتاج إلى صناعة وتداول الكتاب بمراكش، مع رصد لعادات القراءة واستكشاف لأماكنها ببعض المؤسسات التعليمية، خزانات... ورصد لعادات الشراء وأماكن تجارته (أكشاك، مكتبات، معارض للكتاب...إلخ)، مع دراسة صنف من أصناف الكتب ذات صلة بالذاكرة التاريخية، والذي له ارتباطه وثيق بذاكرة المجتمع لمعرفة مدى إسهامه في التنمية البشرية. ثم إلى كيفية انتشار الكتاب داخل المدينة العتيقة بمراكش من خلال إنجاز خريطة تحدد أماكن انتشاره وتوزيعه وعدد الكتب بكل مؤسسة وكذا نصيب الفرد الواحد من الكتب... كل ذلك اعتمادا على معطيات مستقاة من الميدان.

من أهم المحاور التي تم الاشتغال عليها (أنظر العناوين في الصورة المرفقة)

 14 موضوع حول "جغرافية الكتاب ودوره في التنمية البشرية" بمراكش

لقد كان الاشتغال على موضوع "جغرافية الكتاب ودوره في التنمية البشرية بمراكش" بمثابة محاولة علمية ميدانية لإبراز أهمية الكتاب في حياة الأفراد واستراتيجيات المؤسسات للمساهمة في تداوله بمراكش وكيف يمكن للقراءة أن تكون السبيل والمدخل لاهتمام الأفراد بالكتاب خصوصا، وفي مختلف مناحي الحياة (داخل الأسرة، في المدارس والمؤسسات الجامعية، الخزانات، إعلاميا، في المقاهي...إلخ) عموما.

أختم بالمقولة التالية ل"راي برادبوري"، أن "ليس عليك أن تحرق الكتب لتدمر حضارة، فقط اجعل الناس تكف عن قرائتها وسيتم ذلك"

ملاحظة، رغم أن الدراسة تعود لسنة 2011 إلا أن الموضوع جدير بالاهتمام في أي وقت. وسنعود إليكم مجددا في الموضوع !

 

الاثنين، 6 يناير 2025

الخطارة، نظام عريق لتدبير المياه بالواحات وتراث يسير نحو الاندثار والنسيان في ظل التغيرات المناخية والتدخل الإنساني

 

نظام "الخطارات the Khettaras system" بواحات بعض المناطق بدرا (درعة) تافيلات المغرب (والأمثلة كثيرة جدا محليا وعالميا)، هذا النظام الذي اعتمده إنسان الواحات قديما لجلب المياه من مناطق بعيدة قد تصل إلى كلمترات ووفق نظام رياضي -ينم عن ذكاء الإنسان- (ميلان مدروس) مضبوط لسقي واحات النخيل ولأجل ضمان انسيابية مستمرة للمياه من أعلى نقطة إلى أخفضها. هذا النظام القائم بذاته يراد به أولا، التدبير الجيد للموارد المائية واستدامتها بالمناطق التي تعرف الندرة والتي يسود فيها الجفاف، ثم ثانيا، لضمان توفر هذا المورد طيلة السنة رغم كل الظروف المناخية.
هذا النظام العريق أصبح في بعض المناطق تراثا مهجورا ومنسيا نظرا لنضوب الفرشة المائية ولم يعد يؤدي أدوراه كما كان من قبل نتيجة الجفاف ودخول مناطق الواحات في سوق الاستثمار في زارعات دخيلة ! على الواجهة مما أزّم وقضى بشكل تدريجي على "نظام الواحات"، من حيث الطرق التقليدية لتدبير الماء وكل ما يرافقه داخل المجتمعات الواحية من قيم وأعراف وتقاليد.

فعلى المستوى الاقتصادي مثلا، كانت الواحات تشكل مصدرا رئيسيا لتزويد الأسواق بمختلف أصناف التمور والفواكه، أما على المستوى الاجتماعي فتشكل مجالا للعمل وللتعاون الجماعي التضامني (تويزا) في مختلف مناحي الحياة، وعلى المستوى الثقافي فتشكل خزانا لثقافات عريقة متنوعة، أما على مستوى تدبير أحوال سكانها فكان نظام القبيلة حيث أمغار هو من يحسم في كل النزاعات المحتملة والقبيلة كانت تصدر أمرها لكل مخالف وتتخذ في حقه ما تراه مناسبا لحجم الفعل.
أما على مستوى ضمان التوزيع المنصف لمياه الخطارات داخل الواحات فيتم وفق نظام محلي صارم يراعي مجموعة من المعايير يتم وضعها والتوافق بشأنها والعمل على احترامها.

الخطارة: هي بمثابة قناة تحت أرضية يراد من خلالها نقل المياه الجوفية من مناطق عليا بعيدة إلى أخفض نقطة ممكنة داخل الواحة. وحتى يستمر هذا النظام في الاشتغال يقوم السكان عادة بصيانتها بانتظام إما عبر تنقيتها، تمديدها أو تعميقها إذا تطلب الأمر ذلك.

بخصوص الثقوب (آبار الصيانة، وعمقها يصل أحيانا إلى أكثر من 20 متر) التي تظهر في الصور فهي من أجل ضمان تهوية قنواتها من المنبع إلى أخر نقطة لخروج المياه وحتى تضمن مرور الضوء والهواء بشكل جيد لكي يشتغل من يقوم بتنقيتها في ظروف جيدة.


* هناك الكثير ما يقال في شأن الخطارات كنظام قائم بذاته لكن اكتفينا فقط بذكر بعض المعلومات لكل غاية مفيدة.

الخطارات - تدبير المياه - التغيرات المناخية - النظم التقليدية - استدامة

الخميس، 12 ديسمبر 2024

أول قانون للجيوغرافيا وفقًا لـ والدو توبلر Tobler W (تعليق ابعسين)

 "كل شيء يرتبط بكل شيء آخر ولكن الأشياء الأقرب ترتبط أكثر من الأشياء البعيدة".

"everything is related to everything else, near things tend to be more related than distant things"

*أول قانون للجيوغرافيا وفقًا لـ والدو توبلر.
..
Tobler W., (1970) "A computer movie simulating urban growth in the Detroit region". Economic Geography, 46(2): 234

نفس الشيء بالنسبة للسياسات ومختلف البرامج والمخططات والمشاريع التنموية... فالكل مترابط ولا يمكن لأي فاعل أثناء أجرأتها التفكير لوحده بمعزل عن الآخرين أو صياغة/أخذ/تنفيذ قرارات دون استحضار هذا الترابط القائم بين جل القطاعات secteurs والترابات territoires. فحتى مجاليا، فإن أي وحدة ترابية كيفما كان مقياسها "ميكرو/ماكروترابي" (دوار، جماعة، قيادة، دائرة، عمالة/إقليم، جهة...إلخ) مترابطة مع نظيراتها الأخرى وبرمجة مختلف السياسات الرامية إلى تنميتها من الأهم أن يكون على هذا النحو. والاشتغال بهذا التوجه (جعل الترابط مدخلا من مداخل التنسيق والتواصل لفهم اشتغال النُّظم والأنساق الترابية) يمكن أن يعزز ويساهم فعليا في التقائية وتعاون الفاعلين وإدماج مختلف المجالات في إطار مسلسل التنمية الترابية المستدامة بالشكل الذي يجعل انخراط الكل في بنائه وتملّكه سبيلا لنجاحه.
hashtag