الأربعاء، 4 يونيو 2014

تازارين: مجال ذو موارد مائية محدودة وغير متجددة، بين الندرة والاستغلال الغير المعقلن



بقلم الحسين ابعسين
oubaassin@gmail.com

     يعد الماء العمود الفقري للحياة على وجه البسيطة لقوله عز وجل في سورة الأنبياء ﴿وجَعَلْنَا مِنَ المَاء كُلَّ شَيء حَيْ﴾، كما أنه يشكل أحد العناصر المتحكمة في التوزيع المجالي للسكان وأنشطتهم على وجه البسيطة، وبهذا يحتل الماء موقع الصدارة بالنسبة لأي تنمية اقتصادية واجتماعية، ومن البديهي جدا أن المجالات التي تعرف وفرة لهذا المورد الحيوي تكون فرصها للإقلاع التنموي كبيرة، مقارنة مع نظيراتها التي تعرف ندرة هذا المورد الثمين. لكن في مجال تازارين وبحكم الانتماء إلى النطاق الشبه الصحرواي وبحكم الظروف المناخية والبنية الجيولوجية فيتسم من الناحية الهيدروغرافية بضعف المياه سواء السطحية أو الباطنية. ومع توالي سنوات الجفاف الذي سبب في أزمة مائية منقطعة النظير، خاصة في ظل ازدياد الطلب على العرض المائي، وعدم ملاءمة التوزيع الجغرافي للموارد والحاجيات بين مجالات ذات كثافة سكانية عالية (واحة تازارين) وأخرى أقل كثافة، ثم التغيرات الهيدرولوجية التي مست الأحواض الجنوبية الأطلسية عامة، وحوض المعيدر (يعتبر حوض المعيدر مجال رسوبي من العصر الأولي يتوفر على فرشات مائية غير متصلة، مع تواجد لصخور بركانية ذات نفادية ضئيلة بشمال الحوض (جبال صاغرو شمالا ووكناة شرقا) والتي تشكل حاجزا بينه وبين الطبقات الجوراسية والطباشرية بالأطلس الكبير. مما يوحي إلى ضعف الموارد الجوفية المتجددة بمجمل الحوض)، والذي تنتمي إليه المنطقة. كل هذا شكل عائقا وتحديا كبيرا في بلوغ تنمية ترابية مستدامة هذا إلى جانب عوامل أخرى لا تقل أهمية والمتعلق بالاستغلال المكثف والغير المعقل للفرشة المائية من طرف الإنسان.



ونظرا لضعف التساقطات المطرية وعدم انتظامها بالمجال الترابي لتازارين ونظرا لغياب مصادر مائية أخرى مغذية للجريان السطحي غير الإتاوات المطرية، وبحكم نوعية التضاريس والتركيبة الجيولوجية فإن الملاحظ أن المياه الجوفية المتجددة تمتاز بهشاشتها لا سيما بالطبقات الرباعية المتواجدة على طول الأودية التي تستمد وارداتها أساسا من التسربات الناتجة عن الحمولات، أما الطبقات الجيولوجية العميقة والمنتمية للعصر الجيولوجي الأول فتمتاز كذلك بنفادية متوسطة، وتشكل الموارد المائية السطحية والجوفية العمود الفقري للمجال الاقتصادي بالمنطقة الذي يعتمد بالأساس على النشاط الفلاحي، لكن في الآونة الأخيرة بدأ هذا المورد الثمين في تراجع كبير نتيجة عدة عوامل منها ما هو طبيعي وآخر بشري، هذا الأخير متمثل أساسا في الاستغلال المفرط للماء كما تمت الإشارة إلى ذلك سلفا خاصة في المجال الفلاحي وبدرجة كبيرة في زراعة البطيخ الأحمر عن طريق حفر أبار ذات عمق يزيد عن 300 متر، خاصة في كل من دواوير أوْجْكَالْ، اِسْدَاوْنْ، تِوْرِيرِينْ...، نظرا لما لهذه الفاكهة من أرباح، مما انعكس ذلك على الفرشة المائية بالحوض بأكمله، ينضاف إلى هذا دخول مستثمرين أجانب خاصة من سوس، ومن مختلف مناطق التراب الوطني والدولي (تونس نموذجا). لكن المشكل الأساسي أن الفاعلين المحليين لا يعيرورن أي اهتمام بهذا الشأن متناسين أن الوضع يندر بالكارثي خصوصا وأن الموارد المائية بالمنطقة محدودة وغير متجددة وتوالي سنوات الجفاف القاسية بالمنطقة والتي دفعت بالفلاح المحلي -مضطرا- وفي إطار المنافسة إلى تكثيف وتسريع وثيرة حفر الآبار ظنا منه أن باطن الأرض يرشح بالماء وبلا نضوب، مما سينجم عن ذلك مشاكل اجتماعية، اقتصادية بيئية...إلخ، وفي هذا الصدد قامت مجموعة من فعاليات المجتمع المدني بتازارين بالتنديد بالوضع الذي آلت إليه الثروة المائية بالمنطقة خاصة في ظل الجفاف الذي تعرفه المنطقة.

يتضح إذن ومن خلال كل الخصائص الطبيعية والمناخية التي تميز المجال الترابي أن لها انعكاسات كبيرة على الإنسان والمجال في درجة أولى، وعلى جميع القطاعات الاقتصادية في درجة ثانية مما يدفع السكان إلى الاعتماد خاصة في القطاع الفلاحي على المياه الجوفية عن طريق حفر الآبار لضمان اكتفائهم الذاتي.

وعلى ضوء ما سبق فإن دراستنا وتحليلنا لإشكالية الموارد المائية بالمنطقة ولمختلف الخصائص الطبيعية التي تميز المجال الترابي لجماعة تازارين، تكشف بوجه جلي على صعوبة وقساوة الظروف الطبيعية والمناخية والتي لها إلى حد كبير انعكاسات على حياة الساكنة المحلية ووضعيتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما أن دراستنا لمختلف هذه العناصر ليس من باب الطرح المنوغرافي التقليدي بقدر ما هو من أجل دق ناقوس الخطر المحدق الذي يطال الفرشة المائية بالمنطقة. وبالتالي فإن دراستها وبشكل دقيق سيمكننا من معرفة الوضعية الحالية لكل عنصر وخصائصه وذلك بغية وضع تصور مستقبلي حول مآلها. لا ننسى أن هذه العناصر تعد بمثابة مؤشر من مؤشرات توحي بمدى آهلية المنطقة على سد حاجيات السكان المحليين وتساهم من الرفع من مستواهم المعيشي إذا ما تسخيرها لخدمة التنمية وبشكل يراعي الاستدامة لكل مورد على حده. فعنصر الماء إذن معطى أساسي يتحكم وبشكل كبير في استقرار الساكنة وجب استغلاله بعقلانية.

إن إشكالية الماء بمجال تازارين عموما تندر بأن الوضع المستقبلي للمورد المائي، سيكون أصعب بكثير مما كان عليه الوضع فيما مضى، ولهذا فإن استقرار الساكنة واستمراريتها في هذا المجال رهين بمدى الاستغلال المعقلن لهذا المورد خاصة في ظل عدم تجديد الفرشة المائية وانتظام التساقطات.

هناك تعليقان (2):

  1. مقال في المستوى صديقي الحسين تحية لك لخصوبة وغنى مخزونك المعرفي، الموضوع يحتاج صراحة الى دراسات أكاديمية مهمة من أجل إزالة اللبس عن الواقع المعاش وتداعيات نقص الموارد المائية على استقرار الساكنة بالحوض.

    ردحذف
  2. مودتي الخالصة صديقي محمد. أشاركك نفس الهم والانشغال العلمي اتجاه هاته المناطق، وفي نفس الوقت نسجل تأسفنا على غياب الترشيد والتدبير الجيد للموارد المائية على مستوى مجمل الحوض، خاصة ونحن نعلم أن الكميات االمطرية التي تتاسقط من حين لأخر بإمكانها أن تضمن فرص تنموية حقيقية بهذه المناطق ويستفيد منها السكان لو تنبه الفاعلون إلى ضرورة إنشاء سدود تلية والبحث عن شراكات قوية والترافع من أجلها لتمويل مثل هاته المشاريع. نتمنى من مختلف الفاعلين المحليين أفراداً ومؤسسات -وأخص بالذكر الجماعات الترابية- السعي الجاد لإيجاد حلول معقولة تضمن استقرار السكان في هذه المجالات أولا، وتوفر لهم فرص الشغل ثانيا.

    ردحذف